Physical Address

304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124

كيف تمول أوروبا الاقتصاد الروسي؟


ورغم أن الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا، من أبرز الداعمين لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، إلا أنها زادت في الوقت نفسه وارداتها من الطاقة الروسية، وضخت مليارات اليورو في اقتصاد الحرب في موسكو.

ومع دخول الصراع عامه الرابع، يظل الاتحاد الأوروبي في موقف صعب فيما يتعلق بتمويل طرفي الصراع. وبينما تواصل إرسال شحنات كبيرة من المساعدات العسكرية والإنسانية إلى كييف، فإنها تواصل دفع ثمن النفط والغاز الروسي.

ورغم أن الاتحاد خفض اعتماده على روسيا، التي كانت المورد المهيمن في السابق، بنحو 90% منذ 2022، إلا أنه استورد ما يزيد على 11 مليار يورو من الطاقة الروسية في الأشهر الثمانية الأولى من 2025، بحسب تحليل أجرته رويترز استنادا إلى بيانات من مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) في هلسنكي.

وزادت سبع دول من بين أعضاء الاتحاد البالغ عددهم 27 من قيمة وارداتها مقارنة بالعام الماضي، بما في ذلك خمس دول تعتبر من بين أبرز الداعمين لأوكرانيا. وأظهر التحليل أن واردات فرنسا من الطاقة الروسية ارتفعت 40 بالمئة إلى 2.2 مليار يورو، بينما قفزت واردات هولندا 72 بالمئة إلى 498 مليون يورو.

وعلى الرغم من أن موانئ الغاز الطبيعي المسال في دول مثل فرنسا وإسبانيا تستخدم كنقاط دخول للإمدادات الروسية إلى أوروبا، إلا أنه لا يتم استهلاك الغاز بالضرورة في هذه البلدان، بل يتم إعادة توجيهه إلى المشترين عبر بقية القارة.

زوار يلتقطون صورا لنموذج لناقلة غاز طبيعي مسال تحمل شعار غازبروم (رويترز)

ووصف فايبهاف راغوناندان، المتخصص في الشؤون الأوروبية والروسية في المركز، الزيادة في هذه التدفقات بأنها “شكل من أشكال إيذاء النفس”، مشيراً إلى أن مبيعات الطاقة هي أكبر مصدر دخل لروسيا في خضم الحرب. وقال: «إن الكرملين يتلقى فعلياً أموالاً لمواصلة نشر قواته في أوكرانيا».

ترامب ينتقد أوروبا

وعادت المدفوعات الأوروبية لموسكو إلى دائرة الضوء بعد أن انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشدة الزعماء الأوروبيين في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، مطالبا بوقف مثل هذه المشتريات على الفور.

وقال ترامب: “يجب على أوروبا أن تسرع وتيرتها. لا يمكنها الاستمرار في شراء النفط والغاز من روسيا بينما تحاربها. إنه أمر مخز للغاية، وكان محرجا عندما اكتشفت ذلك”.

من جانبها، قالت وزارة الطاقة الفرنسية لرويترز إن الزيادة في قيمة وارداتها من الطاقة الروسية هذا العام ترجع إلى إعادة الإمداد من عملاء في دول أخرى، دون الكشف عن تلك الدول أو الشركات المعنية. وتشير بيانات سوق الغاز إلى أن جزءا من الواردات الفرنسية يعاد توجيهها إلى ألمانيا، وفقا لمحللي شركة كيبلر.

أما الحكومة الهولندية، فأكدت دعمها لخطط الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من الطاقة الروسية، لكنها شددت على أنه حتى تتم الموافقة على هذه المقترحات رسميا بموجب قوانين الاتحاد، فإنها لا تستطيع منع العقود القائمة بين الشركات الأوروبية والموردين الروس.

وحظر الاتحاد بالفعل معظم واردات النفط الخام الروسي والوقود المكرر وأعلن عن خطط لتسريع الحظر الكامل على الغاز الطبيعي المسال الروسي من عام 2027 إلى عام 2027. ويشكل الغاز الطبيعي المسال الآن أكبر مكون في واردات الطاقة الروسية للكتلة، أي حوالي نصف قيمتها الإجمالية.

ورفضت المفوضية الأوروبية التعليق على بيانات الاستيراد لعام 2025، بينما قال مفوض شؤون الطاقة الشهر الماضي إن تخلص روسيا التدريجي من الوقود الأحفوري يهدف إلى تجنب الارتفاعات الحادة في الأسعار أو نقص الإمدادات.

وتعني هذه المقترحات أن الأموال الأوروبية يمكن أن تستمر في دعم اقتصاد الحرب الروسي لمدة عام آخر على الأقل.

ويقول ترامب إن النفط والغاز الأمريكي يمكن أن يحلا محل الإمدادات الروسية، ويقول العديد من المحللين إن ذلك ممكن، لكنه سيزيد من اعتماد أوروبا على الطاقة الأمريكية في وقت تستخدم فيه واشنطن التعريفات الجمركية كأداة سياسية.

وقالت آن صوفي كوربو، الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: “وافق الاتحاد الأوروبي على شراء المزيد من الطاقة الأميركية؛ استجابة لضغوط واشنطن لوقف الواردات الروسية، لكن من الوهم الاعتقاد بأن الغاز الأميركي سيحل محل الغاز الروسي على قدم المساواة، لأن الغاز الأميركي في أيدي شركات خاصة لا تطيع أوامر البيت الأبيض أو المفوضية الأوروبية، بل تسعى إلى تعظيم أرباحها”.

ارتفاع الفواتير في بعض الدول الأوروبية

لقد قطع الاتحاد الأوروبي شوطا طويلا منذ عام 2021، عندما استورد أكثر من 133 مليار يورو من الطاقة الروسية قبل غزو روسيا لأوكرانيا. أما الفترة من يناير إلى أغسطس 2025 فتبلغ الفاتورة 11.4 مليار يورو، أي أقل بنسبة 21% عن نفس الفترة من عام 2024.

وتظل المجر وسلوفاكيا، اللتان تحتفظان بعلاقات وثيقة مع الكرملين وترفضان التخلي عن الغاز الروسي، من المستوردين الرئيسيين، حيث يمثلان معاً نحو 5 مليارات يورو من الإجمالي. ولن يتأثروا بعقوبات الاتحاد الأوروبي المقترحة على الغاز المسال، مما يعني أنه يمكنهم الاستمرار في تلقي الغاز عبر خط الأنابيب حتى عام 2028.

المجر هي أيضا من بين سبع دول زادت وارداتها من الطاقة الروسية هذا العام بنسبة 11 في المائة، إلى جانب فرنسا وهولندا وبلجيكا (3 في المائة)، وكرواتيا (55 في المائة)، ورومانيا (57 في المائة)، والبرتغال (167 في المائة).

وأوضحت وزارة الطاقة البلجيكية أن الزيادة ترجع إلى الحظر المفروض على عمليات “الشحن العابر” في مارس/آذار الماضي، وهو ما اضطر إلى تفريغ الغاز في بلجيكا بدلا من نقله مباشرة من سفينة إلى أخرى. وأوضحت وزارة الطاقة البرتغالية أن البلاد تستورد كميات محدودة فقط من الغاز الروسي وأن تدفقات 2025 ستكون أقل من مستويات 2024.

وتظهر بيانات “مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف” أن إجمالي واردات الاتحاد الروسي من الطاقة منذ عام 2022 تجاوزت 213 مليار يورو، وهو ما يتجاوز ما أنفقه الاتحاد على مساعدات أوكرانيا خلال الفترة نفسها (167 مليار يورو “بحسب المعهد الاقتصادي الألماني في كيل”).

في إطار منتدى الغاز الدولي الرابع عشر في سان بطرسبرج… 8 أكتوبر 2025 (وكالة حماية البيئة)

التزامات الشركة في العقود طويلة الأجل

وتعد شركة “توتال إنيرجي” الفرنسية من أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال الروسي في أوروبا، إلى جانب شركات كبرى أخرى مثل شركة “شل” البريطانية، و”ناتورجي” الإسبانية، و”سيفي” الألمانية، وشركة “غانفور” التجارية. عملت هذه الشركات بموجب عقود طويلة الأجل تمتد حتى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.

قالت توتال إنرجي لرويترز إنها تواصل تلقي التسليمات من مصنع يامال الروسي بموجب عقود لا يمكن تعليقها دون صدور عقوبات رسمية من الاتحاد الأوروبي، مضيفة أنها ستواصل التسليمات طالما رأت الحكومات الأوروبية أن الغاز الروسي ضروري لأمن الطاقة.

وتتجنب شركات أخرى التعليق على وارداتها الروسية، في حين يشير المحللون إلى أن الشركات ملزمة بعقود طويلة الأجل، وقد يؤدي عدم الالتزام بها إلى فرض غرامات عليها، مما يعني استمرار تدفق الأموال إلى روسيا.

وأوضح رونالد بينتو، محلل أبحاث الغاز في شركة كيبلر، أن الكثير من الغاز الروسي المستورد إلى فرنسا يمر عبر بلجيكا قبل أن يصل إلى ألمانيا، حيث الطلب الصناعي قوي، لكنه حذر من صعوبة تتبع تحركات الغاز بدقة داخل الشبكة الأوروبية.

وأكد متحدث باسم “سيفي” أنها تستورد الغاز الروسي عبر فرنسا وبلجيكا، فيما أوضحت وزارة الاقتصاد الألمانية أن الشركة أبرمت عقداً طويل الأمد مع مصنع “يامال” بشروط “خذ أو ادفع”، ما يعني دفع الكميات المتفق عليها حتى لو لم يتم استلامها فعلياً، ما يشكل دعماً مضاعفاً للاقتصاد الروسي.



Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *