Physical Address

304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124

مذكرات صلاح أبو سيف.. سر العبقرية



لم أستطع الانتظار حتى أتناول مذكرات صلاح أبو سيف. والتي أعدها الأستاذ عادل حمودة، فور وقوعها بين يدي، ثم ساعة بعد ساعة حتى انتهيت منها في يوم وليلة واحدة.
في الواقع، لم يخيب ظني. كانت المذكرات التي كتبها المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف غنية وملهمة. صحيح أن نشرها تأخر لأكثر من ربع قرن بعد اختفائها من الصحف حتى عادل. وقد وجدها حمودة ونشرها في كتاب. ومع ذلك، فهي مذكرات مفعمة بالحيوية والمتدفقة لأحد أهم مخرجينا في تاريخ السينما المصرية.

الحقيقة أنني أحببت صلاح أبو سيف منذ الصغر وأحببت جميع أفلامه، من «يومك يا ظالم»، «الزوجة الثانية»، «الفتوة»، «شباب امرأة»، “”الوحش”، “ريا”، “سكينة”، “الوسادة الفارغة”، “لا أنام وأنا حر”، “حمام الملاطيلي”، “شيء من العذاب”، “ال “30 القاهرة”، “البداية والنهاية”، “المواطن المصري” وغيرها، أفلام من لحم، قصص مصرية أصيلة، أغلبها تدور أحداثها في الحي أو غير مفبركة، ويمكننا أن نعرفها. الشخصيات كما يعيشون بيننا.

في الواقع يقدم الكتاب صورة شبه كاملة عن صلاح أبو سيف، خاصة الفترة المبكرة التي لم تكن معروفة للكثيرين، ويكشف كيف استطاع هذا المخرج العملاق أن يعيش بيننا بأعماله حتى اليوم وكيف واجه الحروب والصراعات. ليدافع عن أسلوبه ووجهة نظره، ويصنع أفلامًا مصرية منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، من أجواء القصور والخدم والتواضع، تتعمق في الواقع بالقصص والهموم المصرية. وهو كتاب يكشف سر عبقرية صلاح أبو سيف، وقد أحسن الأستاذ عادل حمودة في ترك صلاح أبو سيف يعبر عن نفسه في الرواية والقصة.

واللافت في اعترافات صلاح أبو سيف أن قصة شباب المرأة في الفيلم الشهير بطولة شكري سرحان وتحية كاريوكا وعبد الوارث عصر وشادية، هي قصته وأنه عاشها خلال رحلته. في فرنسا، قائلا إنها جزء من تاريخه العاطفي قبل تاريخه الفني. عندما استغلت امرأة ضعف عمره شبابه، اختبر المتعة والعذاب. كيف اكتشف المتعة وكيف شعر بمهانة الفقر؟ لكن في الفيلم لم ينتقل البطل من القاهرة إلى باريس، بل غادر الريف إلى… القاهرة حالة مصرية واقعية، يعيشها شاب أكلت الحضارة سذاجته.

وإذا كان شباب المرأة يشكل في ذلك الوقت اتجاها خاصا في السينما المصرية ونبه إلى وجود مخرجين وفنانين حقيقيين، فإن ثلاثية الوحش مع سامية جمال ومحمود المليجي وأنور وجدي، وريا وسكينة مع أنور وجدي، و الفتوى ومعها العملاقين فريد شوقي وزكي رستم، أكدوا جميعا تفكير صلاح أبو سيف الذي كشف ميول الرجل المولود في حي بولاق وقال بصراحة إن السينما عكست كل مراحل حياته.

بدأ مسيرته السينمائية عام 1939 كمساعد لنيازي مصطفى وكمال سليم وأحمد بدرخان ويوسف وهبي. وعلى مدى 46 عاما، بين عامي 1945 و1991، قدم 38 فيلما روائيا. رقم، لكنه أخذ على عاتقه تقديم فيلم واحد في السنة، ويأخذ وقته في البحث والدراسة، بحسب ما قال.
وكانت مذكرات صلاح أبو سيف غنية وملهمة عن هذا المخرج العملاق، لكنها لم تروي ظمأ من قرأ العديد من الكتب عن صلاح أبو سيف وأفلامه، ومن بينها كتاب “صلاح أبو سيف لهاشم عادل حمودة”. وكشف أن مرض صلاح أبو سيف الأخير ما… حال دون استكمال المذكرات، فقرر صياغة ما تم تسجيله وتقديمه، وهو ما حدث. ولذلك فإن المذكرات لم تقترب من أفلام الفيلم الشهيرة. العملاق صلاح أبو سيف وتفاصيلهم والأجواء التي صنعوا فيها بالتفصيل مثل الزوجة الثانية. فجر الإسلام وحمام الملاطيلي هو الفيلم الذي أسس السينما المصرية ولم يتوقف عنها في السبعينيات ولسنوات طويلة بعد ذلك، كما لم تتوقف تحفته الخالدة المواطن المصري مع عمر الشريف عام 1991.

ومن الصعب جداً تلخيص هذه الذكريات الغنية في مقال واحد، لكنه كتاب ملهم لمحبي فن صلاح أبو سيف أو المرتبطين بهذه الأعمال الجميلة، لمعرفة سر العبقرية والصدق، وللمخرجين. الذين هم الآن على الساحة وأنا لا أستثني أحدا.

السينما في بلادنا لا يجب أن تقف عند حدود الترفيه والتهريج، بل يجب أن تكون، بشكل أو بآخر، انعكاسا لقضايا الواقع الحقيقية ومشاكلنا الاجتماعية. وبطبيعة الحال، لا يمكن اختزال كل القضايا في واقع بسيط. بحر من التنمر والمخدرات، كما تفعل الكثير من هذه الأفلام. السينما، مثل الأدب، هي مرآة الناس، ومن الجيد أن الإنتاج السينمائي قد استعاد زخمه خلال السنوات الثلاث الماضية وأننا تجاوزنا الآن عتبة الأربعين فيلما سنويا. أن تكون أفلامًا جيدة ذات قصة ومحتوى.

رحم الله صلاح أبو سيف، المخرج الذي نقشت قصته بأحرف من نور، والذي دفعنا اليوم للكتابة عنه وقراءة مذكراته، بعد ثلاثين عاما من وفاته.





Source link

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *